الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال مكيٌّ: «معناه ذا ثَمَنٍ، لأنَّ الثمن لا يُشْتَرَى، إنما يُشْتَرى ذو الثمنِ، وهو كقوله: {اشتروا بِآيَاتِ الله ثَمَنًا} [التوبة: 9]، أي ذا ثَمَنٍ»، وقال غيرُه: «إنه لا يَحْتاجُ إلى حذف مضاف»، قال أبو البقاء: «ولا حَذْفَ فيه؛ لأنَّ الثمنَ يُشْتَرَى كما يُشْتَرَى به، وقيل: التقديرُ: ذا ثَمَنٍ»، وقال بعضهم: «لا نَشْتَرِي: لا نبيعُ بعَهْدِ الله بغَرَضٍ نَأخُذُه؛ كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77]، فمعنى الآية: لا نَأخُذُ بعهد الله ثَمَنًا؛ بأن نبيعَه بعَرَضٍ من الدنيا» قال الواحديُّ: «ويُسْتَغْنَى بهذا عن كثيرٍ من تكلُّفِ أبي عَلِيٍّ، وهذا معنى قول القُتَيْبِيِّ والجُرْجَانِيِّ».قوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} الواوُ هنا كالتي سَبَقَتْ في قوله: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 170] من أنها يحتمل أن يقال عاطفةٌ، أو حاليةٌ، وأنَّ جملة الامتناعِ حالٌ معطوفةٌ على حالٍ مقدَّرةٍ؛ كقوله: «أعْطُوا السَّائِلَ، ولوْ عَلَى فرسٍ»، فكذا هنا تقديرُه: لا نشتري به ثمنًا في كلِّ حال، ولو كان الحالُ كذا، واسمُ {كَانَ} مضمرٌ فيها يعودُ على المشهُودِ له، أي: ولو كان المشهُودُ له ذَا قَرَابَةٍ.قوله: {وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ الله} الجمهورُ على رَفْعِ ميمِ {نَكْتُمُ} على أنَّ {لا} نافية، والجملةُ تحتمل وجهين:أحدهما- وهو الظاهرُ-: كونُها نسقًا على جواب القسمِ، فتكونُ أيضًا مقسمًا عليها.والثاني: أنه إخبارٌ من أنفسهم بأنهم لا يكتمُون الشهادة؛ ويتأيَّدُ بقراءة الحسن والشَّعْبيِّ: {وَلاَ نَكْتُمْ} على النهْي، وهذه القراءةُ جاءتْ على القليل؛ من حيث إنَّ دخولَ «لاَ» الناهيةِ على فعلِ المتكلِّم قليلٌ؛ ومنه: [الطويل]
والجمهورُ على {شهادةَ الله} بالإضافة، وهي مفعولٌ بها، وأضيفَتْ إليه تعالى؛ لأنه هو الآمرُ بها وبحفظها، وألاَّ تُكْتَمَ، ولا تُضَيَّعَ، وقرأ عَلِيٌّ رضي الله عنه ونعيمُ بْنُ مَيْسَرَة والشَّعْبِيُّ في رواية: {شهادةً الله} بتنوين شهادة، ونصبها، ونصب الجلالة، وهي واضحةٌ، فـ«شَهَادَةً» مفعول ثان، والجلالةُ نصبٌ على التعظيم وهي الأوَّل، والأصلُ: ولا نَكْتُمُ اللَّهَ شهادةً؛ وهو كقوله: {وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثًا} [النساء: 42] وإنما قُدِّمَتْ هنا للاهتمامِ بها؛ فإنها المحدَّثُ عنها، وفيها وجهُ ثانٍ- نقله الزهراويُّ- وهو: أن تكون الجلالةُ نَصْبًا على إسقاطِ حرفِ القسم، والتقديرُ: ولا نَكْتُمُ شهادةً واللَّهِ، فلمَّا حُذِف حرفُ الجر، نُصِب المُقْسَمُ به، ولا حاجةَ إليه؛ لأنه يَسْتَدْعِي حذف المفعولِ الأوَّل للكتمان، أي: ولا نَكْتُمُ أحدًا شهادةً والله، وفيه تكلُّفٌ وإليه ذهب أبو البقاء أيضًا قال: «على أنه منصوبٌ بفعْلِ القسم محذوفًا».ويُروَى عن أبِي جَعْفَر {شَهادةً} مُنَونةً {أَللَّهِ} بِقَطْعِ الألف وكسَرْ الهَاءِ، من غير اسْتِفْهَام على ابْتِدَاء اليَمينِ، أي: والله: {إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثمين}، أي: إنْ كَتَمْنَاها نَكُونُ من الآثمين.وقرأ عليٌّ رضي الله عنه والسُّلمِيُّ والحسن البصريُّ: {شَهَادَةً} بالتنوين والنصب، {آلله} بمدِّ الألفِ التي للاستفهام، دَخَلَتْ للتقرير، وتوقيف نفوسِ الخَلْق الحالفين، وهي عوضٌ عن حَرْفِ القسمِ المقدَّرِ ثمّ.وهل الجرُّ بها أم بالحَرْفِ المحذوفِ؟ خلافٌ.وقرأ الشعبيُّ في رواية وغيره: {شَهَادَهْ} بالهاء ويقف عليها، ثم يَبْتدئ {آللَّهِ} بقطع همزة الوصل وبمدِّ الهمزة على أنها للاستفهام بالمعنى المتقدِّم، وجَرِّ الجلالة، وهمزةُ القطعِ تكون عوضًا من حرف القسم في هذا الاسم الشريف خاصة، تقول: يا زَيْدُ، أللَّهِ، لأفْعلَنَّ، والذي يُعَوَّض من حرف القسم في هذا الاسم الشريف خاصَّة ثلاثةٌ: ألفُ الاستفهام، وقطعُ همزة الوصلِ، وها التي للتنبيه؛ نحو: «ها اللَّهِ»، ويجوزُ مع «هَا» قطعُ همزةِ الجلالة ووصلُها، وهل الجرُّ بالحرف المقدَّر، أو بالعوض؟ تقدَّم أنَّ فيه خلافًا، ولو قال قائلٌ: إن قولهم «الله، لأفْعَلَنَّ» بالجرِّ وقطع الهمزة؛ بأنها همزة استفهام لم يُرَدَّ قوله، فإن قيل: همزةُ الاستفهام، إذا دخلَتْ على همزة الوصْلِ التي مع لام التعريف، أو ايْمُن في القَسَم، وجب ثبوتُ همزة الوصل، وحينئذ إمَّا: أنْ تُسَهَّلَ، وإمَّا أنْ تُبْدَلَ ألفًا، وهذه لم تَثْبُتْ بعدها همزةُ وصل، فتعيَّن أن تكونَ همزة وصْلٍ قُطِعَتْ عوضًا عن حرف القسم، فالجواب: أنهم إنما أبْدلوا ألفَ الوصْلِ أو سَهَّلوها بعد همزةِ الاستفهام؛ فرقًا بين الاستفهام والخبر، وهنا اللَّبْسُ مأمونٌ فإنَّ الجرَّ في الجلالة يؤذِنُ بذلك؛ فلا حاجة إلى بقاءِ همزةِ الوصلِ مُبْدلةً أو مُسَهَّلةً، فعلى هذا قراءة: ألله، وآلله بالقصْر والمدِّ تحتمل الاستفهام، وهو تخريجٌ حسن، قال ابن جني في هذه القراءة: «الوقفُ على {شهَاده} بسكون الهاء، واستئنافُ القسم- حسنٌ؛ لأنَّ استئنافه في أولِ الكلامِ أوْجَهُ له وأشدُّ هيبةً مِنْ أنْ يدخُلَ في عرضِ القَوْل»، ورُوِيَتْ هذه القراءةُ- أعني: {ألله} بقطع الألف من غير مدٍّ وجرِّ الجلالة- عن أبي بكرٍ عن عاصمٍ وتقدَّم أيضًا أنها رويتْ عن أبي جعفرٍ، وقرئ: {شَهَادَةً اللَّهِ} بنصب الشهادة منونة، وجرِ الجلالة موصولة الهمزة، على أن الجرَّ بحرفِ القسمِ المقدَّرِ من غير عوضٍ منه بقَطْعِ، ولا همزةِ استفهام، وهو مختصٌّ بذلك.وقوله تعالى: {إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثمين} هذه الجملةُ لا محلَّ لها؛ لأنها استئنافيةٌ، أخبروا عن أنفسهم بأنهم من الآثمين، إنْ كتموا الشهادة؛ ولذلك أتوا بـ «إذَنِ» المُؤذِنَةِ بالجزاء والجواب، وقرأ الجمهور: {لَمِنَ الآثمينَ} من غير نقل، ولا إدغام، وقرأ ابن مُحَيصنٍ والأعمش: {لَمِلآّثمين} بإدغام نون «مِنْ» في لام التعريف، بَعْد أن نقل إليها حركة الهمزة في «آثمينَ»، فاعتدَّ بحركة النقل فأدغَمَ، وهي نظيرُ قراءةِ مَنْ قرأ: {عَادًا لُّولَى} [النجم: 50] بالإدغام، على ما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى. اهـ. باختصار.
والمعنى: أنه إذا اطلع بعد التحليف على أن الشاهدين أو الوصيين استحقا إثمًا، أي استوجبا إثمًا إما بكذب في الشهادة أو اليمين، أو بظهور خيانة.قال أبو علي الفارسي: الإثم هنا اسم الشيء المأخوذ لأن آخذه يأثم بأخذه، فسمى إثمًا كما سمى ما يؤخذ بغير حق مظلمة.وقال سيبويه: المظلمة اسم ما أخذ منك فكذلك سمي هذا المأخوذ، باسم المصدر. اهـ.
|